Monday, September 15, 2008

صلاة البنات

..............
الفنان الفرنسي مونيير من اروع الفنانين الذين عبروا عن الحياة اليوميه بصورة تفصيليه دقيقه لمجتمعه و تميز باختيار شخصيات لوحاته التي يمكنا ن يكون وراءها قصه يمكن استشفافها من خلال التامل بعمق في لوحاته.فهناك فنانين يرسمون اي شخصيات لكن ان ترسم شخصيه تنظر اليها فتشعر ان وراءها قصه و حدث فهذا ما لا يتاح لاي فنان ان يتمكن منه و قد كان مونيير واحدا من نوابغ هذا الاتجاه في الفن
لوحة صلاةالبنات و التي تقف فيها بنتان يبدو انهما اختان- كبري و صغري - بملابس الصلاة البيضاء ،ناصعة البياض و كلتاهما تضع يديها مضمومتان الي صدرها في وضع صلاة و ابتهال الي الله في مشهد داخل احدي الكنائس ،و يدل علي ذلك تلك الزخارف التي تحوي الصليب خلفهما علي الحائط .
المشهد كله عباره عن مساحه مستطيله تقف البنتان فيها في المنتصف تماما من اسفل اللوحه الي اعلاها في تكوين شبه هرمي تبدو قاعدته عند ملابس الفتاتان باسفل و راسه عند راسيهما و في هذا التشكيل الهرمي نوع من الاشاره الي الترقي الروحي التدريجي في مراحل تعبره الفتاتان اثناء الصلاة انطلاقا من قاعده عريضه الي قمه صغيره هي راس الهرم و هي وجهي البنتان المضيئان بشده .
التكوين الهرمي تسبب في عبور العين الفاحصه بصوره خاطفه من اسفل الي اعلي في محاوله لتامل المشهد ككل و السرعه في العبور بالعين سببها قلة التفاصيل في المشهد من اسفل حيث رسم الفنان ملابس الفتاتان بيضاء تماما بلا اي نقوش او زخارف تستدعي وقفه للعين في اي مكان بل حتي رسمها بلا ثنيات او طيات يمكن ان يتلاعب فيها بتدريجات اللون التي قد تستدعي وقفه تامليه من العين مما يدفع بالعين الي اعلي في سرعه واضحه لرؤية الاهم في المشهد و كان الفنان قصد من هذه اللفته الي التعبير عن حالة روحيه للفتاتان في الصلاة حيث تاخذهما ا لصلاة بسرعه من الارض الي السماء و كانه مشهد لصاروخ يصعد الي اعلي بسرعه.
مشهد الملابس البيضاء له دلاله علي مستوي الطهر و النقاء لفتاه و بنت صغيره لم تعرفا اي شيء من مساويء الدنيا بعد، و طيات الملابس الرقيقه بدت و كانها شبيه اجنحه قد تطير بها البنتان الي اعلي و الوجهين المضيئين تمما الشعور تجاه البنتان بحاله نفسيه يمكن ان نصفها بالحاله النفسيه المضيئه .
في الكنيسه الاضاءه كلها اماميه و لا توجد اضاءه بالخلف و كانت الاضاءه مسلطه بقوه علي وجهي البنتان مما اظهر ثيابهما البيضاء و كانها تشع ضوءا وبدا وجهيهما كذلك ايضا مما يزيد من اثر الجو الروحاني الذي يظللهما في هذه اللوحه
التكوين الجسماني للفتاه الكبيره في اللوحه رسمه الفنان بجمال واضح فهو جسد لبنت في بداية ظهور علامات النضج لكن جمالها يبدو تاما و قد ازداد جمالا بملابسها الرقيقه التي تشف عن رقة صاحبتها.
الوجهين في اللوحه غاية في الابداع و الجمال فعيني الفتاها لكبري تنظران لاعلي و و الي نفس مجال الرؤيه تتجه عين البنت الصغريلكن ملامح الوجهين تنتمي للمرحله العمريه لكليهما،فبينما نري الصغري كانها تلتزم بطاعة شخص امامها فتتوجه بتوجيهه وتاتمر بامره ،نجد ان الكبري تلتزم التزاما داخليا باوامر من ضميرها الذي يحركها في صلاتها فنري خضوعها ليس لشخص كبير امامها بل لمعني كبير داخلها
..................
تابعوا ما ندونه علي فلسفة حياة و ذو النون المصري
مع تحيات مدونة فنون جميله
.................

Wednesday, September 10, 2008

العمل الفني الناضج


.........................
العمل الفني الناضج بطبيعته شديد التعقيد ،شانه في ذلك شان اي جسم حي.و نحن لا نستطيع ان نتحدث عنه علي اي نحو الا بتحليل نسيجه المعقد المتشابك الي عوامله الاولي ،كذلك لا نستطيع ان نتحدث الا عن شيء واحد في المرة الواحدة .اي ان التحليل عملية محتومه في النقد الفني ،لكنها محفوفة ببعض المخاطر اذا ما اسانا استخدامه و ذلك بتجريد عنصر واحد من كيان كلي عيني ،ثم الاعتقاد بان هذا العنصر سيكون له ،عندما يتم عزله بهذا الاسلوب ،نفس الخصائص التي كانت له عندما كان جزءا من الكيان الكلي .فالعنصر عندما يكون جزءا من الكيان الكلي ،تكون له علاقات بالعناصر الاخري المتفاعله معه و المشكلة للكيان ،و هي علاقات تؤثر فيه و تحدث اختلافا في طبيعته.
عن كتاب كيف تصبح اديبا
تاليف نبيل راغب ص16
......................

Wednesday, September 3, 2008

المؤذن ينادي للصلاة


المؤذن ينادي للصلاة
......................
احدي روائع الفنان الفرنسي جان ليون جيرومي،و التي يظهر فيها تاثره الواضح ببيئة الشرق و حضارته في العهد الذي كان يعيش يه.حيث كان معاصرا لفترة الاحتلال الانجليزي لمصر و هناك الكثير من لوحاته التي رسمها معبره عن البيئه المصريه و مستوي مصر الحضاري في هذه الفترة الزمنيه .و نظرا لدقة لوحاته في النقل الامين عن البيئه فان لوحاته تعتبر وثائق بصريه لهذا العصر .
في اللوحه نري قمة مئذنه تقطع جانبها جزء من قبه مزخرفه بزخارف رائعة الحسن و الدقه و المؤذن يرفع كلتا يديه الي جوار فمه محاولا حصار الصوت الذي ينطلق منه و محالا توجيهه الي حيث يجب ان يسمعه الناس كي يلبوا نداء الحق.و كانت هذه العاده هي ما يتبعه المؤذنين في مصر قبل توافر مكبرات الصوت الحديثه و التي كانت السبب المباشر في اختفاء هذه العاده التي اري انها لها اصاله كانت توجب لها البقاء.
كان المؤذنون يرفعون اصواتهم بالاذان المرات الخمسه متفقين علي مقام تطريبي معين كالبياتي و غيره ينادون به للصلاة و كانت اصواتهم شديدة الحسن حتي ان بعض مشاهير الطرب كانوا ممن انتبه لهم مكتشفي المواهب و حولوهم الي ميدان الفن و منهم حسبما اتذكر موسيقار الشعب سيد درويش.
اللوحه مرسومه من اعلي مكان في المدينه ،فالمدينة كلها تبدو واضحه باسفل فاسطح المنازل كثيره جدا يتخللها العديد من الماذن و قباب المساجد القريبه من المسجد المقصود في اللوحه. و هذه القباب و الماذن علي ابعاد متفاوته من القبه و المئذنه الاصليين في الوحه و يبدو من خلال توزيعها المنتظم في اللوحه انها كذلك في الواقع حيث يبني الناس عادة مساجدهم في مركز التجمعات السكانيه و هذا ما يجعل توزيعها منتظما .
توزيع الاشكال في اللوحه تم باسلوب اقرب الي الهندسه منه الي الفن ،و في الفن شيء من الهندسه لا يخفي علي ممارسي الفن و متذوقيه وجوده.فاللوحه مقسومه طوليا الي قسمين متشابهين او تقريبا متماثلين،و هذان القسمان علوي و سفلي احدهما فارغ تماما و الاخر به كل كل محتويات اللوحه،فاعتقد اننا لو قمنا بقص الجزء المرسوم في اللوحه و قلبناه و حاولنا تركيبه فوق الجزء الخالي تماما لوجدناهما شبه متماثلين .
حالة التماثل بين الفراغ و الرسم في اللوحه توحي بوجود حالة ديالوج او حوار بين القسمين ،فكان هناك حوارا يتفق فيه كل قسم علي نصيبه من مستطيل اللوحه فالفراغ يقول لي هذا و الرسم يطلب جزءا اخر حتي يدور بينهما ما يشبه الصراع علي تقاسم اللوحه فبينما تشب المئذنه بقوه لاعلي مخترقة جسد الفراغ نري الفراغ يرد الضربة بمثلها ضاغطا بقوه مماثله علي الشكل محاصرا اياه لاسفل محدثا حالة تعادل و توازن قوي بين طرفي اللوحه و لهذا تاثير نفسي جيد في المتلقي للرساله الفنيه.
هناك رؤيه اخري في تقسيم اللوحه حيث نري الفنان قد قسم ارضيتها افقيا اولا الي ثلثين فراغ باعلي و ثلث مشغول باسفل ثم قسمها طوليا بالمثل ،ثلث مشغول يسارا و ثلثين فراغ يميناو هذا التقسيم يراعي النسبه الذهبيه المعروفه في الفن .
هذا عن تقسيم ارضية اللوحه ،اما عن تكوين اللوحه فالفنان قد رسم البيوت من اعلي بهذه الدرجه العاليه من الزحم ببراعه فائقه قلما يستطيعها فنان !فالفنان قد استخدم مجموعة الوان فواتح بدرجات متفاوته لكنها قريبه جدا من بعضها فاوحي بالقرب الشديد لهذه البيوت و التحامها الشديد ببعضها.كما انه لم يهمل اي صغيره او كبيره الا اتقن رسمها،من ذلك مثلا نري شبابيك البيوت مهما كانت صغيره فلم يتركها و كذلك شبابيك قباب المساجد و فتحات الماذن ،و مواقع الظلال علي الاشكال البعيده جدا ايضا لم يهملها و عن قرب نري القبه التي تتصدر واجهة اللوحه فرغم ظهور جزء ضئيل منها الا ان الفنان لم يتركه يمر دون تدقيق في زخرفته و ابراز براعته فيه و كذلك المئذنه التي تجاوره فقوائمها الخشبية تبدو كل واحدة منها و كانها حقيقيه و كانها مرصوصه لا مرسومه و لم ينس الفنان اي دقيقه في تكوين المئذنه و كذلك نري اعمدة المئذنه يسقط عليها الضوء مكونا ظلالا علي جوانبها تزيدها جمالا و لعب الفنان بالضوء و الظل لعبة في منتهي الروعه وزع فيهاالاضواء و القي فيها الظلال باسلوب منظم حجب فيه الضوء عن القبه و المئذنه و اسقطه بكثافه علي باقي اللوحه و نتيجة لذلك كثرت التدريجات اللونيه في الظل و تباينت بين ظل و نور فقط في باقي اللوحه و كان ذلك من اسباب تمتع اللوحه بقيمه جماليه عاليه ،و هناك اضافه اضافها الفنان للفراغ لشغله بالحركه هي الطيور التي تنتشر هنا و هناك و رغم ضالتها و عدم الاحساس بوجودها الا انها تشعرنا بان هناك حركه هامه في هذا الرفراغ.
بقي ان نشير المؤذن و الذي يحتل جزءا ضئيلا جدا من اللوحه رغم انه موضوعها!!حسب عنوان اللوحه فالمؤذن ينادي مستجمعا قواه و مطبقا يديه حول فمه محاولا توجيه الصوت لاسفل ،حيث المئذنه في الماضي كانت اعلي مكان في اي مدينه و كان لذلك فلسفة و معني عميق مقصود ،و هو ضرورة الارتفاع بالاغراض الدنيويه الي اعلي و الارتقاء و السمو بها الي الاغراض الروحيه ،لكن منذ ان ارتفعت البنايات فوق الماذن لم يعد احد يستشعر هذا المعني فصارت امورنا الماديه اعلي شانا من اهتماماتنا الروحيه و جسد ذلك هبوط ارتفاع الماذن الي درجه ترتفع معها البيوت فوقها بادوار عده،و كان موقع المؤذن فوق الجميع و كلماته التي يلقيها من اعلي لاسفل معني جميل مؤثر في نفس المستمع و محولا اياهم الي الاجواء الروحانيه مبعدا اياهم عن مادية الحياة عن حق
المؤذن هنا رغم انه موضوع اللوحه فهو ضئيل لانه لا يؤذن لنفسه بل يؤذن لمدينه كامله تقع تحته فكان لزاما ان تظهر معه المدينه باعتبارها جزء من المؤذن و لا ينفصل المؤذن عنها ابدا
لوحه رائعه لجيرومي يتبعها لوحات اخري في نفس المضمار قريبا
........................
تابعوا مدونتنا ذو النون المصري
و فلسفة حياة
.....................
مع تحيات مدونة فنون جميله
...............