ان الله تعالي خلق الكون ،و الجمال عنصر اصيل في تكوينه ،و كذلك كان الامر بالنسبة للانسان ،فقد ابدع الله صورته و احسنها كما احسن فطرته و استعداداته فجعلها ،محبة للجمال ميالة اليه و حريصة عليه ،كما جعلها قابلة مستعدة لتقدير الجمال ،و كذلك انتاجه.
و اذا كان هذا الاستعداد من صنع الله تعالي ،في فطرة الانسان ،فانه هيا له من الوسائل ما يجمل به حياته الخاصة ،و هذه الوسائل من الكثرة بحيث لا يمكن احصاؤها و القران الكريم يتحدث عن بعضها علي سبيل ضرب المثل.
و الزينة مطلوبة من هذا الانسان.
و هو اذ يسعي الي ذلك فانما يلبي نداء الفطرة و نداء الدين معا ...
و لعل من التكريم للزينة _و هي وسيلة التجميل_ ان ينسبها الله اليه "زينة الله " فالاضافة هنا للتشريف اي الزينة التي هي من صنع الله تعالي.
و هذه الزينة معدة ليستفيد منها "عباد الله" بتجميل انفسهم او بتجميل بيوتهم و كل ما يتصل بهم.
و لنستمع الي القران الكريم مبينا موقفه منها منكرا علي الذين وقفوا منها موقفا سلبيا:
"قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده و الطيبات من الرزق؟.."
و بهذا يتقرر ان الزينة و اتخاذ الوسائل لصنع الجمال في هذه الحياة امر مطلوب و مرغوب فيه ،و يهيء الله تعالي لنا من الاشياء ما يساعدنا به علي انجاز هذه المهمة ...فيسخر لنا البحر _في جملة ما سخره لنا _لنستخرج منه الحلية اللازمة لهذه المهمة:
"وهو الذي سخر البحر لتاكلوا منه لحما طريا ،و تستخرجوا منه حلية تلبسونها ..."
و هكذا يلفت القران النظر الي اعداد هذه الحلية و يدلنا علي اماكن وجودها نمساعدة منه في انتاج الجمال .
و لا نريد الحديث هنا عن كل الوسائل ،فالذهب و الفضة وسيلة و اي وسيلة في عمليات التجميل و الزينة .و لكن انيطت بهما مهمة اخري ،و هي كونها يؤديان دور النقد في اطار التعامل المالي بين الناس ...
انما مقصودنا ذكر الاشياء التي مهمتها الاصيلة هي كونهما وسائل جمالية فهي مصادر اشعاع للحسن حيث وجدت....
انها اللؤلؤ و المرجان و الياقوت والرياش...
فالله تعال يمن علي عباده بهذه الاشياء ،قال تعالي: "مرج البحرين يلتقيان ،بينهما برزخ لا يبغيان ،فباي الاء ربكما تكذبان ،يخرج منهما اللؤلؤ و المرجان نفباي الاء ربكما تكذبان"
و قال تعالي :"يا بني ادم قد انزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم و ريشا.."
قال ابن كثير: و الرياش ما يتجمل به ظاهرا.
ان اللؤلؤ و المرجان و الياقوت ..وسائل اصيلة في هذا الميدان ..اذ كان المقصود الاول من ايجادها هو تغطية هذا الجانب الجمالي في حياة الانسان ،و لشدة اصالتها في ذلك جعلها الله المقياس الذي يضرب به المثل ،فاذا اريد التعبير عن جمال شيء ،قيل كانه الياقوت و المرجان ...و هو الاسلوب لذي انتهجه القران الكريم .و لنستمع اليه في ذلك :
"فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن انس قبلهم و لا جان ،فباي الاء ربكما تكذبان ..كانهن الياقوت و المرجان ..""
"و حور عين كامثال اللؤلؤ المكنون.."
"و يطوف عليهم ولدان مخلدون اذا رايتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا"
نتبين بعد هذا بوضوح ان من الاشياء ما كان خلقه ابتداء تعبيرا عن الحسن و الجمال ،فهذه هي الغاية منه ،و تلك هي مهمته في الحياة
..............
كتاب /الظاهرة الجمالية في الاسلام
تاليف/صالح احمد الشامي
ص142،143،144
.............