Wednesday, September 3, 2008

المؤذن ينادي للصلاة


المؤذن ينادي للصلاة
......................
احدي روائع الفنان الفرنسي جان ليون جيرومي،و التي يظهر فيها تاثره الواضح ببيئة الشرق و حضارته في العهد الذي كان يعيش يه.حيث كان معاصرا لفترة الاحتلال الانجليزي لمصر و هناك الكثير من لوحاته التي رسمها معبره عن البيئه المصريه و مستوي مصر الحضاري في هذه الفترة الزمنيه .و نظرا لدقة لوحاته في النقل الامين عن البيئه فان لوحاته تعتبر وثائق بصريه لهذا العصر .
في اللوحه نري قمة مئذنه تقطع جانبها جزء من قبه مزخرفه بزخارف رائعة الحسن و الدقه و المؤذن يرفع كلتا يديه الي جوار فمه محاولا حصار الصوت الذي ينطلق منه و محالا توجيهه الي حيث يجب ان يسمعه الناس كي يلبوا نداء الحق.و كانت هذه العاده هي ما يتبعه المؤذنين في مصر قبل توافر مكبرات الصوت الحديثه و التي كانت السبب المباشر في اختفاء هذه العاده التي اري انها لها اصاله كانت توجب لها البقاء.
كان المؤذنون يرفعون اصواتهم بالاذان المرات الخمسه متفقين علي مقام تطريبي معين كالبياتي و غيره ينادون به للصلاة و كانت اصواتهم شديدة الحسن حتي ان بعض مشاهير الطرب كانوا ممن انتبه لهم مكتشفي المواهب و حولوهم الي ميدان الفن و منهم حسبما اتذكر موسيقار الشعب سيد درويش.
اللوحه مرسومه من اعلي مكان في المدينه ،فالمدينة كلها تبدو واضحه باسفل فاسطح المنازل كثيره جدا يتخللها العديد من الماذن و قباب المساجد القريبه من المسجد المقصود في اللوحه. و هذه القباب و الماذن علي ابعاد متفاوته من القبه و المئذنه الاصليين في الوحه و يبدو من خلال توزيعها المنتظم في اللوحه انها كذلك في الواقع حيث يبني الناس عادة مساجدهم في مركز التجمعات السكانيه و هذا ما يجعل توزيعها منتظما .
توزيع الاشكال في اللوحه تم باسلوب اقرب الي الهندسه منه الي الفن ،و في الفن شيء من الهندسه لا يخفي علي ممارسي الفن و متذوقيه وجوده.فاللوحه مقسومه طوليا الي قسمين متشابهين او تقريبا متماثلين،و هذان القسمان علوي و سفلي احدهما فارغ تماما و الاخر به كل كل محتويات اللوحه،فاعتقد اننا لو قمنا بقص الجزء المرسوم في اللوحه و قلبناه و حاولنا تركيبه فوق الجزء الخالي تماما لوجدناهما شبه متماثلين .
حالة التماثل بين الفراغ و الرسم في اللوحه توحي بوجود حالة ديالوج او حوار بين القسمين ،فكان هناك حوارا يتفق فيه كل قسم علي نصيبه من مستطيل اللوحه فالفراغ يقول لي هذا و الرسم يطلب جزءا اخر حتي يدور بينهما ما يشبه الصراع علي تقاسم اللوحه فبينما تشب المئذنه بقوه لاعلي مخترقة جسد الفراغ نري الفراغ يرد الضربة بمثلها ضاغطا بقوه مماثله علي الشكل محاصرا اياه لاسفل محدثا حالة تعادل و توازن قوي بين طرفي اللوحه و لهذا تاثير نفسي جيد في المتلقي للرساله الفنيه.
هناك رؤيه اخري في تقسيم اللوحه حيث نري الفنان قد قسم ارضيتها افقيا اولا الي ثلثين فراغ باعلي و ثلث مشغول باسفل ثم قسمها طوليا بالمثل ،ثلث مشغول يسارا و ثلثين فراغ يميناو هذا التقسيم يراعي النسبه الذهبيه المعروفه في الفن .
هذا عن تقسيم ارضية اللوحه ،اما عن تكوين اللوحه فالفنان قد رسم البيوت من اعلي بهذه الدرجه العاليه من الزحم ببراعه فائقه قلما يستطيعها فنان !فالفنان قد استخدم مجموعة الوان فواتح بدرجات متفاوته لكنها قريبه جدا من بعضها فاوحي بالقرب الشديد لهذه البيوت و التحامها الشديد ببعضها.كما انه لم يهمل اي صغيره او كبيره الا اتقن رسمها،من ذلك مثلا نري شبابيك البيوت مهما كانت صغيره فلم يتركها و كذلك شبابيك قباب المساجد و فتحات الماذن ،و مواقع الظلال علي الاشكال البعيده جدا ايضا لم يهملها و عن قرب نري القبه التي تتصدر واجهة اللوحه فرغم ظهور جزء ضئيل منها الا ان الفنان لم يتركه يمر دون تدقيق في زخرفته و ابراز براعته فيه و كذلك المئذنه التي تجاوره فقوائمها الخشبية تبدو كل واحدة منها و كانها حقيقيه و كانها مرصوصه لا مرسومه و لم ينس الفنان اي دقيقه في تكوين المئذنه و كذلك نري اعمدة المئذنه يسقط عليها الضوء مكونا ظلالا علي جوانبها تزيدها جمالا و لعب الفنان بالضوء و الظل لعبة في منتهي الروعه وزع فيهاالاضواء و القي فيها الظلال باسلوب منظم حجب فيه الضوء عن القبه و المئذنه و اسقطه بكثافه علي باقي اللوحه و نتيجة لذلك كثرت التدريجات اللونيه في الظل و تباينت بين ظل و نور فقط في باقي اللوحه و كان ذلك من اسباب تمتع اللوحه بقيمه جماليه عاليه ،و هناك اضافه اضافها الفنان للفراغ لشغله بالحركه هي الطيور التي تنتشر هنا و هناك و رغم ضالتها و عدم الاحساس بوجودها الا انها تشعرنا بان هناك حركه هامه في هذا الرفراغ.
بقي ان نشير المؤذن و الذي يحتل جزءا ضئيلا جدا من اللوحه رغم انه موضوعها!!حسب عنوان اللوحه فالمؤذن ينادي مستجمعا قواه و مطبقا يديه حول فمه محاولا توجيه الصوت لاسفل ،حيث المئذنه في الماضي كانت اعلي مكان في اي مدينه و كان لذلك فلسفة و معني عميق مقصود ،و هو ضرورة الارتفاع بالاغراض الدنيويه الي اعلي و الارتقاء و السمو بها الي الاغراض الروحيه ،لكن منذ ان ارتفعت البنايات فوق الماذن لم يعد احد يستشعر هذا المعني فصارت امورنا الماديه اعلي شانا من اهتماماتنا الروحيه و جسد ذلك هبوط ارتفاع الماذن الي درجه ترتفع معها البيوت فوقها بادوار عده،و كان موقع المؤذن فوق الجميع و كلماته التي يلقيها من اعلي لاسفل معني جميل مؤثر في نفس المستمع و محولا اياهم الي الاجواء الروحانيه مبعدا اياهم عن مادية الحياة عن حق
المؤذن هنا رغم انه موضوع اللوحه فهو ضئيل لانه لا يؤذن لنفسه بل يؤذن لمدينه كامله تقع تحته فكان لزاما ان تظهر معه المدينه باعتبارها جزء من المؤذن و لا ينفصل المؤذن عنها ابدا
لوحه رائعه لجيرومي يتبعها لوحات اخري في نفس المضمار قريبا
........................
تابعوا مدونتنا ذو النون المصري
و فلسفة حياة
.....................
مع تحيات مدونة فنون جميله
...............

3 comments:

Unknown said...

لوحة جميلة جداا
ليت المأذن لازل يؤذن بتلك الطريقة
الجميل ايضا انه رسم وكأنه يرسم من مستوى اعلى فأظهر المدينة من اسفل وكانه يقول ان الاذان ما هو الا سمو بالروح ومحاولة للتقرب من الخالق
والرقى بالنفس

بجد لوحة جميلة
وانتقاء رائع

ذو النون المصري said...

نهر الحب
انا بحب الاذان القديم و اسلوبه و مظهره جدا
لاسباب عديده منها انه بيؤذن من فوق للناس اللي تحت

Anonymous said...

~.....................................................