Wednesday, April 6, 2011

عند حوض الغسيل

ايميل مونيير من ابرع الفنانين المعبرين بصدق عن حياة مجتمع عاش منذ قرنين ،و لولا امثال مونيير من الفنانين البارعين ما وصلنا عن هذه المجتمعات اي شيء من ملامح ثقافاتهم بمختلف عناصرها سواء نمط المعيشة او ملابسهم طعامهم و مستواهم الحضاري .باختصار الفن التشكيلي في هذا العصر و العصور التي قبله كان اداة التسجيل لكل شيء مثل التليفزيون ببرامجه الوثائقية في عصرنا .و قد كان مونيير من ابرع الوثائقيين التشكيليين في عصره و كان كذلك من ابرع من فحص مكونات النفس الانسانية في اعماله الفنية.

في اللوحة نجد بنت تجلس بجوار حوض ماء يسكب فيه ميزاب الماء و قد بلغ الحوض حد الامتلاء و توجد ملابس و مضرب خشبي علي حافة الحوض وواضح ان البنت تغسل ملابسها في مغسل عمومي في فرنسا ذلك الزمان و التي لم تعد تشبه فرنسا عصرنا لا من قريب و لا من بعيد،و لا يصدق مخلوق ان هذه فرنسا الماضي التي نعرف حاضرها الان.


بنت تقف بجوار حوض الغسيل العمومي و في يدها قدرة فخارية لا معة للطعامتاكل منها في الشارع ؛حيث كان امرا عاديا ان تفعل ذلك .و علي حفة الحوض مضرب غسيل تستخدمه النسوة في الضرب بقوة علي الملابس لتسهيل تخليصها من الوساخات و يشبه ذلك ما كانت تفعله النسوة في ايريافنا حتي سنوات قليلة خلت علي الترع ،تقف مستندة الي الحوض تنظر للامام نحو جهة التصوير كعادة مونيير في اغلب لوحاته ، و تشغل عمود طويل في وسط اللوحة هو المحور العمودي الرسي يربط اعلاها باسفلها من الناحية التشكيلية و اللونية ايضا ،و هذه الوقفة في وسط اللوحة هي الموقع المفضل لدي مونيير في اغلب لوحاته ،و مع البنت يوجد الحوض و الذي يشغل النصف السفلي من اللوحة و يشغل المحور العمودي الافقي للوحة( و هو نفس تكوين المحاور في لوحة بنت تجمع حبات الكرز) .


الجزء العلوي يمين اللوحة مظلم تماما يقابله جزء مضيء تماما اسفل يسار اللوحة مع منطقة وسط في منتصف اللوحة بينما تقع لبنت في منطقة ضوء ساطع فربطت كجسم مضيء بين ظلام الاعلي و اضاءة اسفل اللوحة مما ساعد علي ترابط اعلاها باسفلها بالتوزيع الجيد للضوء والظل.


استطاع الفنان ان يدقق في ملامح كل شيء في اللوحة فالبنت فرق شعرها مرسوم بدقة كما ان لون الشعر كانه شعر حقيقي ،و ذلك باقي ملامحها برع الفنان في رسمها حتي ان حركة الاصابع في مسك اناء الطعام و الملعقة لم يتركها الفنان للصدف بل دقق فيها كان فيها سر اللوحة كلها و في الحقيقه هذا هو داب الفنان مع كل اجزاء العمل الفني و في كل اعماله الفنية .نري هذه الدقة ايضا في رسم الارض حيث بليت البلاطات الارضية من كثرة الاستعمال و الاهمال فلم يترك الفنان هذه اللمحة البسيطة الا و اهتم بها كذلك سرسوب الماء الصغير يبدو تماما كالماء الحقيقي.


دقه عجيبة تزهل المتامل الهاوي و الدارس و المتخصص، كما ان هذه الدقة اتت بفائدة لدارسي الاجتماعيات و التاريخ الخاص بهذه المرحلة اذ كانت هذه اللوحات وثائقيات امينة تعبر عن مرحلة في بلد لا نصدق ابدا انه كان ذلك البلد الذي نعرفه الان فالبون شاسع جدا بين ماضي و حاضر هذا البلد،و هو ما يدفعنا للتساؤل ...كيف كنا نحن في ذلك العصر ؟و كيف نحن الان؟الواضح طبعا اننا لازلنا كما نحن لم نتغر او تغيرنا للاسوا.و هذا التامل يدفعنا للتساؤل عما يجب علينا ان نعرفه كي ندرك ما فاتنا .


6 comments:

Unknown said...

i m not deeply interested in arts but i found ur comment on the paintings is interesting
thnks

Ramez Nashat said...

اجمل مدونة شفتها في حياتي
ربنا يوفقكم بقولها من قلبي
http://diariesoffrustratedguy.blogspot.com/

م.محمد الحسيني said...

شئ رائع جدا

ذو النون المصري said...

محمد الحسيني
شكرا لك
تحياتي

ذو النون المصري said...

الجوهري
اهلا بك في مدونتي في اي وقت

ذو النون المصري said...

رامز نشات
اشكرك جدا جدا علي دعوتك
و سعيد ان مدونتي اعجبتك
تحياتي