Sunday, March 15, 2009

مقال عن ا لفن ج2



3أيعقل أن يفيض الرسم العربي بعبقرية تمرده فيما الحياة كلها من حوله تحث على الخضوع والتكرار والاستعادة كما لو أننا نعيش في معمل لصنع القوالب؟ نقول بما يشبه البداهة (رسم سوري) أو (رسم عراقي) أو (رسم مصري) ولا ندري أننا إنما نشير إلى تلك الكارثة الثقافية التي نعيش فصولها. فالتعبير المقتضب يحيلنا إلى صورة بعينها. صورة لا تفارق عناصرها. وليس مسموحا لها أن تقوم بذلك. حين رأيت رسوم الرسام السوري زياد دلول شعرت أنني أقف أمام رسام معافى من سوريته.قلت لنفسي : هو ذا رسام يشعرني بالأمل. غير أن مثالا من هذا النوع لا يمكن القياس عليه. فدلول الذي عاش في باريس زمنا طويلا واستطاع أن يلتقط مواقع إلهام تحرره من تأثير رقية الوصف القديم هو كائن قد لا تهتم به الثقافة التقليدية السورية المعنية بالاعجاب بعناصر تمثلاتها المتكررة.

يصح هذا القول أيضا بالنسبة لتجربة الفنان فاضل العكرفي في علاقته بالثقافة العراقية. لقد صار الاجترار هو خير وسيلة لتسويق الأعمال الفنية والترويج لها في سوق الفن العربية. وهكذا فكلما كان الرسام أكثر امتثالا لصفته مجترا كلما ازدادت مبيعات أعماله وارتفعت أسعارها. كل هذا يتم في ظل كذبة كبيرة عنوانها (الفن العربي). نقديا يعني ذلك المفهوم ما نعرفه عن الفن وهو مفهوم هزم منذ وقت ليس بالقليل. على سبيل المثال هناك رسام رائد في العراق هو (فائق حسن) يتنافس الأغنياء في الشرق العربي على اقتناء لوحاته التي لو تم التوجه بها إلى أصغر القاعات الفنية في العالم وأقلها قيمة لما قبلت بعرضها. هناك عشرات الالوف من الرسامين قد رسموا بطريقته.

4ما حدث للعراق وما حدث في غزة يؤكد أننا أبناء ثقافة مهزومة. لا يقف الرسم بمعزل عن تلك الهزيمة الشاملة. لقد كشفت ردود الأفعال الثقافية العربية عن هزال المفاهيم الثقافية التي نتستر بها. في العراق لم تكن حداثتنا عميقة وحقيقية بدليل أن البلد كله عاد بإشارة من المحتل إلى زمن الطوائف والعشائر والمذاهب. وفي غزة صارت انسانيتنا على المحك فهرب الكثيرون إلى الحديث عن خطأ حركة حماس من غير أن يلتفتوا إلى رؤوس الأطفال المقطوعة. يهم الآخر، سواء كان معاديا أو محايدا أن نكون غير مدركين لما نحن فيه، لكي تمر الجريمة بصمت.

مأساة الرسم العربي (ممثلا للثقافة العربية) أنه لا يعيننا على النظر إلى ما نعيشه وما ينتظرنا بعيني المغامر، المتمرد الذي يقول الحقيقة كــافرا بكل بداهات السوق. حال تذكرني بما كان عليه الأدب العربي أثناء القرون المظلمــــة التي تلت سقوط الدولة العباسية. خيال منافـــق يخون الحقيقة. لقد تبدل العالم. جملة يشهد عليها واقع الحال في العراق وفي غزة، وهي جملة تحث الرسم على التغير، ذلك لأن الجمال لم يعد ممكنا.

........................................

المصدر موقع شرفات

.............................

No comments: