Tuesday, December 30, 2008

حائط الامنيات


حائط البراق
حائط المبكي
....................

لوحة من لوحات الفنان الفرنسي المستشرق جان ليون جيروم نفذها علي خامة الكانفاه بالوان الزيت و تبلغ مساحتها92.4 سم *73.7.و التي تعتبر من ضمن ايات تاثره بالشرق و انحيازه الابداعي نحو اثاره الفنيه و المعماريه و اعتبارها مصادر ثريه لتزويده بالافكار الفنيه و التي يمكن لها ان تصمد مع الزمن كتراث فني عالمي.
رسم جيروم الكثير من اللوحات المصريه في القاهره القديمه فاحتفظت مصر بمثل هذه اللوحات بتراثها القديم في الازياء و الطرز المعماريه و بعض الاساليب المعيشيه ،فاللوحات كانت كالحافظه للتراث البصري من الضياع.
هذه اللوحه رسمها الفنان بفلسطين و بالتحديد بالاماكن المقدسه المتنازع عليها الان بين اليهود و المسلمين !!رسم الفنان في لوحته حائط البراق كما نسميه او حائط المبكي كما يسميه اليهود .
في اللوحه نري منطقه يبدو عليها انها مباني اثريه ذات طراز قديم فقوالب الصخر ذات التعريشات و التعريقات واضح جدا انها غير مشذبه و لا مصقوله فهي صخور قديمه قد اتت عوامل التعريه و الاهمال علي صقالتها فتركتها علي حال تشبه صخور الجبل الطبيعيه و كذلك طراز قوالب الارضيه الغير منتظمه ؛كل هذه العلامات تدل علي قدم المكان و اثريته و عراقته.
في هذا المكان العريق نري سبع اشخاص في اقصي طرف اللوحه علي اليمين نجد شخصا يرتدي ملابس بيضاء تغطيه بالكامل و مثله شخص اخر اقرب منه و بجواره شخص يرتدي ملابس بنيه و قبعه يهوديه شهيره و حزام عريض اصفر غامق و بينهما يوجد شخص رابع تبدو منه راسه فقط ،اقرب منهما للمشاهد شخص سادس يميل بشده علي الحائط و يليه قربا للمشاهد الشخص الاوضح في اللوحه و الاقرب للمشاهد و يرفع بصره للسماء.
الان نحاول ربط المشهد باجزائه بعضها ببعض فمثلا نجد ان الحوائط الموجوده بالمكان عددها اربعه تختلف في ارتفاعاتها و احجامها و حتي الوانها الا ان الحائط المقصود هنا يعتبر اكبرها و اعرضها رغم ان ما يبين منه في اللوحه مجرد جزء منه.ايضا نري ان الحائط المقصود يبلغ ارتفاعه حوالي عشر امثال ارتفاع الانسان الواقف بجواره و ربما اكثر
مؤكد ان المكان كان بحالته هذه ايام رسم اللوحه و هو لا يختلف كثيرا عن صورته الان.فالحوائط لا تزال كما هي و كذلك الحشائش التي نبتت في الفراغات البينيه بين الصخور لا تزال موجوده كما هي ،لكن التغيير المؤكد بين اللوحه و الواقع هو ملابس البشر التي تتغير من زمن لاخر.فالفنان قد رسم لوحته في اوائل القرن العشرين ،اي منذ اكثر من مائة عام .
في هذا الوقت كانت فلسطين و كل بلاد العرب تحت الاحتلال و لم تكن للاسرائيليين دوله موجوده و كان الكل نيام بشان ما يدبر و يجري من خطط لتقسيم المنطقه بل ان هرتزل نفسه ايام رسم هذه اللوحه لم يكن قد فكر في مشروعه الاستيطاني و لم تكن فلسطين ايامها قد وقع عليها الاختيار كي تمارس ضدها جريمة العصر ،جريمة نقل شعب اضطهد في اوروبا كي يعيش هو في سلام بين العرب بينما يسوم هو العرب ايضا سوء العذاب!!!
قالوا بان العرب لا يتركونهم يمارسون عباداتهم بحريه ؟؟و هذه اللوحه التي رسمها غربي فرنسي تعتبر شهاده من نوع خاص علي هذه الاكاذيب!! فنحن تعودنا ان تكون الشهادة كلاما مقولا او مكتوبا ،الا اننا هنا امام شهادة بصريه كما نقول في مصر تخزق عين من لا يري و تشهد بان الحرية الدينيه في احط ايامنا حضاريا كانت مكفوله حتي لليهود و حتي داخل المسجد الاقصي بالرغم من انه مسجد مقدس الا اننا لم نمنع اليهود من الصلاة فيه .!!!
مارس الجميع حريته بلا اي قيود او مضايقات ،،و اللوحه التي رسمها غربي تشهد بذلك و تشهد بحالة الهدوء التي نعم بها المصلون من ابناء الديانه اليهوديه بحرم مسجدنا الاقصي اولي القبلتين و ثالث الحرمين.
الا تصلح اللوحات احيانا كدليل لنفي قضيه او اثبات اخري؟اليست دليل افضل من الدليل المكتوب الذي قد يصدق او يكذب؟اليس الدليل البصري في مثل هذه الامور اصدق وافضل من يعبر بصدق عن محتوي قضيه من القضايا ؟لماذا لا نهتم بجمع مثل هذه الادله في ملفات قد تفيدنا في تعريف العالم بقضايانا من خلال فنونهم التي يعشقونها؟هل لازال البعض يقلل من شان الفنون البصريه امام غيرها من صور التعبير المختلفه؟علينا اعادة النظر في الكثير من رؤانا .
تكوين اللوحه من الناحيه الفنيه جميل جدا فالحوائط متقاطعه مع بعضها محدثه تدريجات للظل و النور احدثت تباينات واضحه في الالوان كما ان الحوائط الخلفيه اسقطت ظلالها الواضحه علي الارضيه كامله فحجبت الضوء عنها ووصل الحجب الي حائط البراق من اسفله فجعل المشهد كانه وقت غروب
الحشائش التي نبتت بين صخور الحائط قد خففت من حدة سيطرة لون واحد علي جل مساحة اللوحه و شارك في كسر هذه السيطرة ايضا تباين الوان قوالب الحائط الا ان انتظام انتشار الحشائش في قلب اللوحة ساعد في زيادتها جمالا و هذه الحشائش هي اول ما يصدم بصرنا و يستحوذ علي تاملنا عند النظرة الاولي للوحه ،و اذا تتبعنا حركة العين علي تفاصيل اللوحه وجدناها تتحرك حركة غير منظمة في شكل هندسي معين ،بل تتحرك حركة اشبه بالذبذبه باتجاهات مختلفه من اللوحه حتي تشمل اللوحه كاملة بالتامل الدقيق .
في اقصي طرف اللوحه في الظل يوجد رجل بملابس بيضاء نقيه هو اول ما يلفت نظرنا عندما نتامل اللوحه وقد برع الفنان في اختيار مكانه فبياض ثيابه المشمول بالظل جعله يبدو كانه نقطة ضوء في نهاية نفق مظلم ، و التباين بينه و بين الحائط الاسود خلفه يحرك العين تلقائيا بينهما ثم تتحرك العين تلقائيا الي الابيض الثاني الذي بجوار االحائط، تستقر عليه العين قليلا ريثما تتامل من بجواره ثم تتحرك العين تلقائيا الي الابعد عنهم المنفرد في صلواته ثم تتحرك علي نفس الخط الي الشخص الاخر ثم تستقر العين نهائيا في خط تاملها عند الشخص الاوضح في اللوحه الرافع بصره الي السماء و التي لا يظهر منها الا مساحه ضئيله محصوره في الركن الايمن اعلي اللوحه و يعتبر لونها هو الوحيد المخالف للون اللوحه العام ربما شاركه في خاصية المخالفه لون الحشائش الخضراء علي الحائط .
ارض اللوحة و حوائطها مرسومة بعناية ظهرت فيها مدي دقة الفنان في رسم ادق الشقوق و المسافات البينيه بين الصخور حتي ان بعض قوالب الصخور المخلوعة من الارضية لم ينس الفنان ان يرسمها و الحشائش مرسومة بدقة عاله كان الفنان قد جلب حشائش حقيقية و لصقها باللوحه و كانه ايضا قد جلب قشور حجر و صخر و لصقها باللوحة و كانه قد جلب بشرا مصغرين و لصقهم باللوحة ايضا !!فاللوحة كانها جزء من حقيقه لا رسم بالفرشاة و الالوان.
شخصيات اللوحه هم مجموعه مكونه من سبع رجال ذهبوا للعباده خمسه منهم التصقوا بالحائط جميعهم وجهه للحائط و هناك اثنان بعيدان عن الحائط و هما علي طرفي اللوحه اقصاها قربا و اقصاها بعدا للمشاهدو مثلهما اثنان بقرب الحائط علي مسافات تقريبا متساويه من المشاهد قربا و بعدا .و في المنتصف نجد الثلاثه السابقين، فتوزيع الشخصيات السبعه هنا يشبه ان يكون توزيع كفتي ميزان متساويتان تمام،رجل بعيد عن الحائط بعيد عن المشاهد يقابله اخر قريب من المشاهد بعيد عن الحائط و كذلك الاخر القريب من الحائط بعيد عن المشاهد يقابله اخر قريب بعيد و في المنتصف ثلاثه اوسطهم يعمل كعمل المؤشر في الميزان .اسم اللوحه الاصلي حائط الامنيات و قد رسم الفنان حوله رجال بلحي شعرها هائش و ملابس كالخرق الا الابيضان منهما و اعتقد انهما سيدتان و قد اتي الجميع كي يطلبوا من الله امنيات كل منهم و له حاجة في نفسه.تري ماذا كانوا يطلبون في هذا الزمن البعيد؟هل كانوا يطلبون ان يعيشوا بامان مثلا؟هل كانت لديهم احلام تراودهم بالاستيلاء علي ارض تركناهم فيها يعيشون بسلام كما نري؟هل ذهبت بهم عقولهم الي تمني ما نراه الان؟ الا ما اغفلنا و امكرهم؟